الاصالة والمعاصرة هل هي ازدواجية مفروضةام اختيار ؟

الاصالة والمعاصرة هل هي ازدواجية مفروضةام اختيار ؟

الاصالة والمعاصرة:
هل هي ازدواجية مفروضةام اختيار ؟
اشكالية الاصالة والمعاصرة تُطرح في الفكر العربي المعاصر والحديث على انها مشكلة الخيار بين النموذج الغربي في السياسة والاقتصاد والثقافة ...الخ؛ وبين التراث بوصفه يقدم او يمكن ان يقدم نموذج اصيل يغطي جميع ميادين الحياة المعاصرة. ويمكن تصنيف المواقف وفقا لهذا الاختيار الى:
مواقف عصرانية تدعو الى تبني النموذج الغربي بوصفه نموذج العصر.
مواقف سلفية تدعو الى استعادة النموذج العربي الاسلامي كما كان قبل الانحراف, او على الاقل الارتكاز عليه لتشيد نموذج عربي اسلامي اصيل, يقدم حلوله لمستجدات العصر.
ومواقف انتقائية, تدعو الاخذ باحسن ما في الموقفين السابقين والتوفيق بينهما في صيغة تتوافر فيها الاصالة والمعاصرة معا.
ولكن الامر لا يتعلق بمواقف ذات حدود واضحة. بل بثلاثة اصناف تضم كل منها اتجاهات متعددة, ومزيج من الايدولوجيات. فمثلا بين دعاة المعاصرة نجد ايدولوجيا ليبرالية واخرى اشتراكية او ماركسية لينينية؛ او اصحاب النزعة القطرية الضيقة؛ او القومية العربية. وبين دعاة الاصالة نجد من يرفض كل نظم العصر ومؤسساته ويدعو للعودة الى النبع الاصيل (عصر الرسول). ونجد سلفيين معتدلين يقبلون كل ما لا يخالف الشرع او ما يمكن تبريره.
على اية حال يبقى السؤال امتعلق بالاختيار: هل ما زلنا نحن العرب في وضعية تسمح لنا بالاختيار بين النموذج الغربي وبين النموذج الاصيل المستوحى من تراثنا.
يقول الجابري ان العرب في الوضع الحالي لا يملكون هذا الاختيار, لأن النموذج الغربي فُرض على العرب منذ الاستعمار. وهو نموذج يقوم على مقومات لم تكن موجودة في النماذج الحضارية السابقة, في الاقتصاد والادراة والحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية؛ فُرض ابتدأ من التبادل الاقتصادي الغير متكافئ حتى التدخل بالشؤون الداخلية بذريعة الدفاع عن الاقليات.
العرب وجدوا انفسهم امام عملية تحديث كولونيالي للقطاعات التي تهم الغرب حتى وخصوصا بعد الاستقلال. عمليات التحديث لم تتأسس في الداخل بل نُقلت جاهزة من الخارج, بالاغراء او بالقوة.
الانسان لا يختار ارثه بل يحمله خلفه, ويحتمي به عندما يتعرض الى تهديد خارجي, وخصوصا الى تهديد زحف نموذج حضاري الاخر على نموذج حضارته.
وبما انها بقيت بنى قديمة من تراثنا, واحيانا بكامل قوتها, فإن مجتمعاتنا اصبحت تعاني من ازدواجية نمطين من الحياة الفكرية والمادية.



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-