المدرسة الجزائــرية والحاجة الى التوجيه والإرشاد النفسي

تحديات المدرسة الجزائــرية والحاجة الى التوجيه والإرشاد النفسي:

تواجه المدرسة الجزائرية في ظل التحولات الاجتماعية ،الاقتصادية ، السياسية ،العلمية التكنولوجية والثقافية المتسارعة عــدة تحــديات تفرض منطقا جــديدا في سياسة التوجيه والارشاد النفسي والتربوي. وأهم هذه التحديات تتمثل في :
ـ التدفق الاعلامي الكبير، من خلال اكتساح القنوات التلفزيونية الفضائية والاذاعية المتعددة للبيوت الجزائرية، والتي تمارس تأثيرات كبيرة على سلوكيات ومواقف الناشئة اتجاه القيم والمعايير الاجتماعية وما يتولد عنها من مشكلات نفسية واضطرابات سلوكية متعددة( كالعنف بمختلف أشكاله ،ازدواجية الشخصية ،القلق ،الحيرة وضعف التركيز والاهتمام بالدراسة، السرقة ،المخدرات، الانحلال الخلقي ….).
ـ تسارع وتيرة التطور العلمي ،المعرفي والتكنولوجي وانعكاس ذلك على اهتمامات وميول المتعلمين من خلال ظهور تخصصات دراسية ومهنية جديدة توسع مجال اختيارات التلاميذ وما تخلقه من حيرة وتيه لديهم حول ماذا يختارون ؟ما الانسب إليهم؟ ما هي التخصصات المطلوبة في سوق العمل وما هي حظوظ العمل لكل منها وغيرها ..
ـ تعقد الحياة الاجتماعية والاقتصادية بسبب سيطرة القيم المادية ،وتفشي ظاهرة البطالة والانحرافات الاجتماعية وتأثيراتها السلبية على استعدادات المتعلمين ونظرتهم للدراسة والحياة المهنية او الاجتماعية ،حيث سيطرة النظرة التشاؤمية وضيق الطموحات و محدودية آفاق تفكيرهم.
ـ التحول الجذري في معايير ومقاييس التكوين والتوظيف نتيجة الانفتاح الاقتصادي ودخول الجزائر في العولمة الاقتصادية وما يستلزمه ذلك من اعداد متميز يرتكز على مبدأ الكفاءة والنوعية للاطارات واليد العاملة اضافة الى ضرورة تحكمها في اللغات الأجنبية و تكنولوجية المعلوماتية والاتصالات .وبناء على ذلك أصبح الإرشاد والتوجيه محورا اساسيا في هذه المعادلة لاحداث التوازن والتوافق بين الفرد(قدراته وميولاته ) وبين متطلبات محيطه الاقتصادي والاجتماعي ومساعدته على التكيف والتجاوب مع تحديات العصر.
ــ تفاقم ظواهر لافتة للانتباه في مدارسنا كالعنف ،تناول المخدرات هذا من جهة. ومن جهة اخرى انتشار ظاهرة الخوف من المدرسة ومن الامتحانات لدى شرائح عريضة من المتعلمين وفي مختلف المستويات التعليمية خاصة لدى المراهقين. تفشي ظاهرة الغش في الامتحانات بمختلف أشكالها وانعكاس ذلك على مستوى التحصيل والتكوين للمتعلمين، وبالتالي على أدائهم المستقبلي بعد التخرج .
ــ مشكلة الفراغ وتأثيره على انفعالات المراهقين، سلوكياتهم ،ونظرتهم الى الحياة بصفة عامة والحياة الدراسية بصفة خاصة .
ومن الحاجيات الأخرى التي تستدعي أهمية نشاطات التوجيه المدرسي في المدرسة الجزائريةما يلي:
1 ـ الحاجة الى رضى التلميذ عن ذاته وتأكيدها من أجل الاستمتاع بالسعادة الشخصية ، وتكوين نظرة ايجابية عن نفسه والمحيطين به. حيث يعامل التلاميذ كأرقام لا كأشخاص لهم ذات وكيان متميز يجب احترامه وهو ما أفقد التلاميذ لذة الذهاب إلى المدرسة و جعلهم ينفرون منها.
2 ـ الحاجة الى تأمين المستقبل بتوفير فرص الدراسة المناسبة من خلال ضمان التوعية والتحسيس بمتطلبات الحياة الدراسية في مختلف التخصصات والفروع وسبل النجاح فيها مع آفاقها المهنية.
3 ـ الحاجة الى فهم الاتجاهات والقيم الاجتماعية، الأخلاقية والروحية للمتعلمين التي تتعرض للتشويش والاهتزاز نتيجة تأثير برامج تكنولوجية الإعلام والاتصال المعاصرة،بهدف مساعدتهم على تحقيق التوازن النفسي و الاجتماعي أو(الاندماج الاجتماعي) عن طريق تحصينهم ثقافيا وعقائديا وأخلاقيا بمختلف النشاطات الإرشادية التي تعيد إليهم الثقة بالنفس والاعتزاز بالذات وروح الانتماء للمجتمع.
الآفـــــــاق المـــــستــــقــــبلــــــية للتوجيه المدرسي والمهني:
بناءا على ما سبق ذكره يتبين لنا أنه لا يمكن وضع تصور خاص بالتوجيه بمعزل عن التصور العام والشامل للسياسة العامة للمنظومة التربوية التي يتحدد فيها مكانة ودور التوجيه المدرسي والإرشاد النفسي في الاستراتيجية العامة لتحقيق غايات النظام التربوي الجزائري .والا وقعت محاولتنا في منطق الترقيع وسياسة الهروب الى الأمام.
وعليه تتحدد الآفاق المستقبلية للتوجيه المدرسي في المدرسة الجزائرية من خلال ما يلي :ــــ
ــ جعل التوجيه والارشاد النفسي والتربوي بعدا هاما واساسيا في استراتيجية تحقيق غايات النظام التربوي الجزائري .
و لتفعيل نشاطات مستشاري التوجيه المدرسي والمهني اكثر لمواجهة تحديات المدرسة الجزائرية في الألفية الثالثة يقتضي الأمر :
1 ـ اقتصار تدخل مستشاري التوجيه المدرسي بالنشاطات التربوية على مستوى الثانويات التي وظفوا فيها فقط ، مع ضرورة تعميم توظيف مستشاري التوجيه على مستوى الاكماليات( المتوسطات) والابتدائيات لضمان جدية المتابعة النفسية ـ التربوية والتكفل الأحسن بالتلاميذ ( الأطفال والمراهقين العاديين والمتخلفين والموهوبين).
2 ـ وضع منهاج خاص بالتوجيه المدرسي والمهني يشمل كل محاور النشاطات النفسية والتربوية ،يراعى فيه :
أـ مبدأ التكامل بين مختلف النشاطات .
ب ـ مبدأ التدرج في انجاز النشاطات من البسيط الى المعقد من السهل الى الصعب.
ج ـ المستويات التعليمية المختلفة في كل طور تعليمي.
د ـ حاجيات واهتمامات التلاميذ:
ـ في كل مرحلة دراسية.
ـ في كل فصل دراسي .
ـ في كل مناسبة أو ظرف .
هـ ـ الخصوصيات والمتطلبات الاقتصادية، الاجتماعية، الجغرافية والثقافية الوطنية وكذا لكل منطقة او جهة
3 ـ ضرورة تخصيص توقيت رسمي للتوجيه والارشاد ضمن البرنامج الأسبوعي للتلاميذ في مختلف الشعب والفروع الدراسية .
4 – إعطاء صلاحيات التدخل واتخاذ قرارات لمستشاري التوجيه في ما يخص القضايا التربوية و النفسية واختيارات الشعب الدراسية التي تخدم تكيفه المدرسي و مشروعه المستقبلي,
5 ـ ضرورة إدخال تكنولوجية الاتصال والإعلام المعاصرة المتنوعة في نشاطات مستشاري التوجيه وخاصة في تنشيط الحصص الإعلامية للتلاميذ وفي الحصص الارشادية وكل النشاطات الأخرى ،مع ضرورة التفكير في اعداد اشرطة علمية حول:
المهن ـ المنافذ التكوينية الجامعية ـ المحيط الاقتصادي والاجتماعي ـ المشكلات التربوية والنفسية الشائعة لدى المتعلمين وكيفية معالجتها .
6 ـ تأسيس مجلات وجرائد متخصصة الى جانب حصص تربوية اذاعية و تلفزيونية متخصصة في الميدان التربوي تساهم في نشر الثقافة النفسية و التربوية بين أفراد المجتمع و تحسيس الأسر بضرورة التعاون مع المدرسة في تربية أبنائهم .
7 ـ إعادة النظر في هيكلة و مهام مراكز التوجيه المدرسي و المستشارين العاملين فيها خاصة بعد تعميم عملية التوظيف على المستوى الثانوي والاكمالي أو المتوسط والابتدائي بتحويلها إلى مراكز متخصصة تقوم بمهمة التنسيق ،التنظير والمتابعة لعملية التوجيه والارشاد من أجل توحيد استراتيجية العمل الميداني،توفير وانجاز أدوات العمل النموذجية لكل نشاط أو عملية تربوية مع متابعتها و تقييمها.
ونقترح أن تكون مراكز التوجيه متكونة من ثلاث مصالح على الأقل تتشكل كل مصلحة من فرقة تقنية بها (ثلاث مستشارين على الأقل) وهي كالتالي :
أ ـ مصلحة الاعلام والاتصال تتكفل ب :
ــ توفير وسائل عمل المستشارين في الميدان بإنجاز :
أدلـــة ومجلات إعلامية لمختلف المستويات التعليمية ـ لافتات وملصقات.
بهدف توحيد الإستراتيجية الإعلامية ومحتواه على المستوى الولائي الجهوي حتى والوطني .
ــ تنظيم أبواب مفتوحة، منتديات و معارض اعلامية حول المسارات الدراسية والمهنية وعلاقتها بالتحولات الاقتصادية ،الاجتماعية وعالم الشغل.
ــ تقوم بمهمة الناطق الرسمي لشؤون التربية والتعليم على مستوى الولائي بحكم
تخصص العاملين فيها ومتابعتهم للعمل التربوي من كل جوانبه.
ب ـ مصلحــة التوجيه والارشاد النفسي تتكفل ب:
ــ انجاز الوسائل الاستكشافية المختلفة (الاختبارات النفسو تقنية ) وتعديل الروائز المستوردة منها بالتنسيق والتعاون مع الجامعات الوطنية عن طريق توفير آليات التعاون و الاشراف والمتابعة لذلك
ــ التنظيم والاشراف على عمليات الدعم النفسي والتربوي لتلاميذ مختلف المستويات الدراسية لرفع معنوياتهم ومساعدتهم على تجاوز مشاكلهم النفسية والتربوية خلال الفصول الدراسية،وأثناء الامتحانات المدرسية العادية والرسمية.
ــ الاشراف على لجان المتابعة النفسية والاستكشاف لتلاميذ ذوي الحاجات الخاصة (التعليم المكيف (للمتخلفين دراسيا ـ والمتفوقين والمعاقين وذوي الأمراض المزمنة وغيرهم ) .
ج ـ مصلحة التقويم والدراسات تتكفل بـ:
ــ انجاز نماذج استمارات لتقويم مختلف العمليات التربوية ونشاطات المستشارين في الميدان (شهادتي البكالوريا والتعليم المتوسط (الأساسي سابقا) ـ تقويم الأثر الاعلامي، تقويم المردود التربوي للمؤسسات التعليمية) .
ــ القيام بتحقيقات واستقصاءات ودراسات في مختلف مجالات العمل التربوي لجلب المعلومات بهدف تحسين الأداء والمردود التربويين .
8 ـ إعـادة النظر في النصوص التشريعية المنظمة للتربية والتعليم، بوضع رؤية متكاملة ومنسجمة لكل الفاعلين في الميدان التربوي تسد كل الثغرات والنقائص المسجلة حاليا من جميع الجوانب .من أجل ادماج فعلى وجدي لنشاطات التوجيه المدرسي والإرشاد النفسي والاستفادة من خدماته في الميدان التربوي .
9 ـ إعادة النظر في القانون الأساسي لعمال التربية باعادة تقييم مناصب العمل حسب الشهادات الجامعية للعاملين فيه ، مثل إعادة تصنيف مستشاري التوجيه المدرسي حسب الشهادة الجامعية والمهام الموكلة اليهم .
الى جانب اعطاء لهم فرص الترقية المهنية في مختلف المسؤوليات الادارية والتربوية (كمدير ثانوية أو متوسطة (الاكمالية سابقا) بما انه حامل لشهادة الليسانس في علم النفس وعلوم التربية أو علم الاجتماع وهو الأقرب الى مهام تسيير مؤسسة تربوية بحكم تكوينه القاعدي في العلوم الاجتماعية والتربوية وله مؤهلات في تسيير العلاقات الانسانية وحل المشكلات التربوية والعلائقية .
10 ـ فتح مناصب التفتيش في التوجيه المدرسي على مستوى مقاطعات كبرى تضم بين (10 الى 12 ثانوية + المتوسطات التابعة لها ) مع الأخذ بعين الاعتبار الوضعية المستقبلية عند تعميم توظيف المستشارين على مستوى المتوسطات الاكماليات .على أن يعاد النظر في المهام التقليدية لمفتش التوجيه ليساير المرحلة الجديدة .
11 ـ إدراج محور التوجيه والارشاد في برنامج تكوين المديرين ،المفتشين ومستشاري التربية وكل المهيئين للعمل في قطاع التربية حتى يستوعب ويفهم كل طرف أهمية هذا الجانب في حل المشكلات التربوية وتحسين المردود الدراسي للمتعلمين ،وكذا ليعرف كل واحد دوره ومسؤوليته المتكاملة مع مستشار التوجيه في هذا الجانب .
اعداد الأستاذ خالد عبد السلام - سطيف في ديسمبر 2008

تابع كل ما يخص مسابقة مستشار التوجيه والارشاد المدرسي والمهني من هنا



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-