النظام التربوي مفهومه نماذجه

 النظام التربوي مفهومه نماذجه
 النظام التربوي مفهومه نماذجه

سلسبيل للتوظيف والتعليم

 النظام التربوي

ـ يعد النظام التربوي ( Educational Institution ) أحد النظم الاجتماعية الهامة التي يتضمنها البناء الاجتماعي . وقد أصبح من أهم مميزات العصر الذي نعيش فيه ، الاهتمام بشئون التربية (Education ) نظراً لأنها قد أصبحت ضرورة حيوية للمجتمع ، حتى أن عدداً من رجال الفكر لم يترددوا في أن يطلقوا على القرن العشرين اسم " عصر التربية " وحيث أن التربية هي الوسيلة الأساسية للتقدم الإنساني ، والأساس الذي يجب أن يقوم عليه كل إصلاح اجتماعي على حد تعبير عالم التربية الأمريكي " جون ديوي " ( J. Dewey ) . لذلك سوف نتناول فيما يلي مفهوم النظام التربوي ، ثم نتحدث عن نماذج الأنساق التربوية في المجتمعات المختلفة ، وأخيراً نعرض لأهم وظائف النظام التربوي في المجتمع . 

( أ ) مفهوم النظام التربوي

ـ وضع المهتمون بشئون التربية ، عدة تعريفات للنظام التربوي . فقد عرفه بعض العلماء على أنه " التدريب الرسمي الذي يتم بطريقة شعورية منظمة " . وقد عرفه أيضاً بعض العلماء بأنه " مجموعة من العمليات التي توجه بوجه خاص نحو اكتساب التعليم " كما عرفه البعض الآخر بأنه " البناء الاجتماعي الذي يؤكد اتصال المعرفة " . وهناك من يعرف النظام التربوي على أنه " نقل المعرفة والمهارات والقيم بطريقة رسمية نظامية " . كما أن هناك من يعرفه بأنه " عملية النقل الرسمية أو غير الرسمية للمعرفة التي يتم اختيارها ، وللمهارات ، والقيم ، اللازمة لإعداد الأفراد كي يصبح لهم عضوية فعالة داخل المجتمع " . ويستدل من هذه التعارف المتعددة للنظام التربوي ، على اهتمام العلماء بدراسة هذا النظام نظراً لأهميته بالنسبة للمجتمع . كما يستدل أيضاً من هذه التعاريف على أن هناك من العلماء من يجعل مفهوم النظام التربوي ضيقاً بحيث يتضمن فقط معنى التربية الرسمية أو التعليم ، وهو أحد العناصر الأساسية لمحتوى العملية التربوية . إذ يمكن النظر إلى التعليم باعتباره المظهر الرسمي للتربية في دور العلم والمؤسسات التربوية التي تختار نوعية معينة من المعارف ، لتربط الفرد بمجتمعه وبتراثه الثقافي والاجتماعي . 

ـ كما نجد أن هناك من العلماء من يجعل مفهوم النظام التربوي واسعاً بحيث يتضمن معنى التربية الرسمية وغير الرسمية ، أي التربية التي تحدث بقصد أو بدون قصد على حد سواء . فالتربية قد تكون رسمية أو غير رسمية . و التربية الرسمية هي التي تتم داخل المدرسة ، وهي نوع من التربية المدروسة والمقصودة التي تتم عن طريق المدرسين . أما التربية غير الرسمية ، فهي التي تتم بطريقة غير مدروسة وغير مقصودة خارج نطاق المدرسة ، عن طريق الأسرة ، أو جماعات النظراء ، ووسائل الاتصال الجماهيرية ، وعن طريق أية هيئة أخرى من هيئات التنشئة الاجتماعية . ولاشك أن الظاهرة التربوية أعم وأشمل من ظاهرة التعلم ، وأن النظام التربوي أكثر اتساعاً في مضامينه ووسائله ، من النظام التعليمي . والتربية بهذا المعنى عملية عامة ومستمرة لإعداد الفرد للتكيف داخل الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه ، ولإمداده بعناصر ثقافية ، وتزويده بمظاهر التحضر وانجازات العلم والتكنولوجيا ، وإرشاده بوسائل تبصيره وتوعيته . 
- وفي ضوء هذه النظرة الواسعة إلى مفهوم الظاهرة التربوية ، يمكن تعريف هذه الظاهرة ـ من وجهة النظر الاجتماعية ـ بأنها " نسق اجتماعي يقوم بدور وظيفي في إعداد وتنشئة وتشكيل النشئ من خلال وسائل ومؤسسات وأجهزة لها فاعلية تكوين الفرد وتهيئته من الناحية الجسمية والعقلية والأخلاقية ، ليكون عضواً في مجتمعه ، يحيا حياة سوية في بيئته الاجتماعية " . كما يمكن القول ، بأن التربية هي " عملية تشكيل وإعداد أفراد إنسانيين في مجتمع معين ، في زمان ومكان معينين حتى يستطيعوا أن يكتسبوا المهارات والقيم والاتجاهات وأنماط السلوك المختلفة التي تيسر لهم عملية التعامل مع البيئة الاجتماعية المادية " ويشير هذا المفهوم الأخير للتربية ، إلى أنها عملية إنسانية يقوم بها أفراد إنسانيون بهدف تنمية أفراد آخرين . كما يشير هذا المفهوم إلى أن نماذج الأنساق التربوية تختلف من مجتمع إلى آخر . 

( ب ) نماذج الأنساق التربوية في المجتمعات المختلفة

-التربية ظاهرة اجتماعية ( Social Phenomenon ) ، فحيث يتواجد الفرد في حالة تفاعل مع غيره من أفراد المجتمع ، تنبثق " التربية " كظاهرة محددة أنماط التعامل والضوابط التي تشكل طبيعة العلاقات الاجتماعية وتزود الأفراد بالأنماط والقوالب الفكرية والسلوكية السوية . ونجد أن التفاعل الاجتماعي بين الفرد وبيئته الاجتماعية والاقتصادية هو المحور الذي ترتكز عليه الإجراءات التربوية التي تعد الفرد وتشكل شخصيته وترسي مقومات ثقافته . وللتربية بوصفها ظاهرة اجتماعية ، صفة الإلزام . ففي كل مجتمع ، وفي كل طور من أطوار حياته ، نوع غالب للتربية لا سبيل للحياد عنه أو الفرار منه . ويتمثل هذا الإلزام التربوي في العادات والنظم الخاصة بتنشئة الأطفال وتهذيبهم . وإذا لم يمتثل الطفل لقواعد التربية السائدة في مجتمعه ، فإنه يفشل في حياته وينحرف نحو اتجاهات شاذة لا يقرها المجتمع ، الذي قد يوقع عليه نوع من العقاب ، بهدف إعادة امتثاله لقواعد التربية المعمول بها في المجتمع . وبالإضافة إلى ما سبق ، فإن التربية عملية اجتماعية تحدث نتيجة للتفاعل بين الأفراد في المجتمع ، وتؤدي إلى ارتباط الفرد بمجتمعه ، والشعور بالانتماء إليه ، والتضامن معه ، وتجعل الفرد يشعر بأنه مترابط مع تراث اجتماعي عام له ماضيه وحاضره ومستقبله . 

ــ وعلى الرغم من أن التربية ظاهرة اجتماعية توجد في كافة المجتمعات الإنسانية ، سواء أكانت بدائية أو متقدمه . فإن نماذج الأنساق التربوية تختلف من مجتمع إلى آخر ، بل وتختلف في المجتمع الواحد من فترة إلى أخرى . ونجد أن لكل مجتمع أنماطه الخاصة في التربية سواء من ناحية المواد التي تلقن للنشئ أو ناحية الوسائل المستخدمة في هذا التلقين . ولاشك أن المواد التي تلقن ترتبط أشد الارتباط بالأهداف العليا للمجتمع . كما أن وسائل التربية مرتبطة هي الأخرى بالمواد أو الموضوعات التي تلقن وبالنظام الثقافي في مجموعه . وعلى سبيل المثال ، نجد في المجتمع الذي يعيش على جمع الثمار والصيد ، أن التربية تستهدف تعليم كيفية جمع الثمار وأساليب القنص والصيد ، وما إلى ذلك من الوسائل التي تعد ضرورية لاستمرار الحياة في مثل هذا المجتمع . وفي المجتمعات البدائية ذات الثقافات البسيطة غير المعقدة ، لا يمكن من الضروري إقامة وسائل رسمية تنظيمية للتعليم كالمدارس والجامعات التي نجدها في المجتمع الحديث . فالتربية في هذه المجتمعات البدائية لا يمكن النظر إليها على أنها نشاط اجتماعي متخصص يقوم به مدرسين متخصصين . 

ـ إذ أن التربية في مثل هذه المجتمعات البسيطة لا تمارس بشكل مستقل ، ويقوم بها عادة الأسرة ، والجماعة القرابية ، والمجتمع ككل من خلال المشاركة في أعباء الحياة اليومية . ومع ذلك قد نجد بعض المجتمعات البسيطة التي قد تمارس نوعاً من التعليم الرسمي أشبه بذلك النوع الذي يمارس عن طريق المدارس في المجتمعات الحديثة . وقد أكد ذلك ، ما ذكره " لوي " ( R. H. Lowie ) في كتابه عن " التنظيم الاجتماعي " ( Social Organization ) حيث أعطى لنا بعض الأمثلة لهذا النوع من التربية الرسمية التي تتم في بعض المجتمعات البدائية ، بهدف تدريب الأبناء على كيفية مواجهة أعباء الحياة ، وإعدادهم إعداداً مهنياً يتفق مع احتياجات هذه المجتمعات البسيطة .وفي المجتمعات المتقدمة ، نجد أن التربية الرسمية هي الطابع الغالب في مثل هذه المجتمعات . إذ تزداد فترة التعليم المنظم الذي يتلقاه الفرد داخل المدارس أو الجامعات ، كما تتكون جماعة مهنية من المدرسين المتخصصين . أي أن التربية الرسمية تكتسب أهمية كبيرة في المجتمعات الحديثة ، وتمارس كنشاط اجتماعي مستقل . 

ــ ولا تختلف النماذج أو الأنماط التربوية في المجتمعات المختلفة من حيث الوسائل التربوية فقط ، وإنما تختلف أيضاً من حيث المواد التي تدرس . ففي المجتمعات القديمة و مجتمعات العصور الوسطى ـ مثلاً ـ كانت المواد النظرية هي السائدة ، وكانت تستوعب كل مناهج الدراسة تقريباً ، وذلك كالخطابة والسياسة والفلسفة . أما في العصور الحديثة ، وخاصة في المجتمعات التي تأخذ بأسلوب التصنيع ، نجد أن العلوم التطبيقية ، أصبحت تشغل مكانة هامة في مواد الدراسة ، تفوق أحياناً مكانة العلوم النظرية ، وذلك مثل تعليم الميكانيكا وما يتعلق بشئون الحرف والصناعات المختلفة . ويذكر " فيليبس " ( B. Philips ) ، أن الأخذ بأسلوب التصنيع عادة يصاحبه اهتمام شديد بالتربية . فلم يعد هناك حاجة إلى عمل الأطفال في المزارع الموجودة في المجتمعات الريفية التقليدية ، حيث يتم استخدام الآلات الزراعية على نطاق واسع مما يؤدي إلى توفير كثير من الأيدي العاملة . ومن ثم أصبح من الضروري أن يعد الأطفال أنفسهم إعداداً تربوياً يؤهلهم للقيام بأنواع من المهن الصناعية التي أصبح المجتمع في حاجة إليها . ويؤكد ذلك ما ذهب إليه " بوتومور " ( T. Bottomore ) من حيث أن التربية الرسمية في المجتمعات المتقدمة ، تتركز بصفة خاصة ، حول تطبيق العلم في تحسين مستوى الإنتاج ، وتطوير نظم تقسيم العمل . 

( ج ) وظائف النظام التربوي في المجتمع

ـــ عندما نتحدث عن وظائف النظام التربوي في المجتمع ، فإننا بذلك نشير إلى الأسباب التي دعت إلى نشأة هذا النظام ، والعوامل التي أدت إلى ضرورة وجوده في المجتمع . 
ــ ويذكر عالم التربية الأمريكي " ( Edgar Z. Friedenberg ) أنه يمكن تلخيص أهم الوظائف الاجتماعية للنظام التربوي في أربعة وظائف أساسية هي : ـــ 
أولاً : نقل ثقافة المجتمع . 
ثانياً : مساعدة الفرد على اختيار الأدوار الاجتماعية ، وتعليمه كيفية أدائها . 
ثالثاً : إحداث التكامل بين الثقافة العامة للمجتمع وبين الثقافات الفرعية للأفراد والجماعات التي توجد داخل هذا المجتمع . 
رابعاً : تعد التربية مصدر للتجديد ( Innovation ) الثقافي والاجتماعي 
ـــ ويتفق " سويفت " ( D . Swift ) تقريباً ، مع " فريدنبرج " في أهمية هذه الوظائف الاجتماعية للنظام التربوي . إذ يذكر " سويفت " ، أن هناك على الأقل أربع وظائف للتربية في المجتمع ، على النحو التالي : ـ 

ـ أولاً : تثبيت القيم وعادات المجتمع ، وذلك لأن التربية مخططة من أجل تنمية المعتقدات وبث عادات التفكير وعادات العمل بين الطلاب ، وتلك العادات التي يعتبرونها ضرورية ومرغوبة في المجتمع . 
ــ ثانياً : على التربية أن تحافظ على التضامن الاجتماعي عن طريق تنمية شعور التلاميذ بالانتماء للمجتمع . بالإضافة إلى الالتزام بطريقة الحياة كما يفهمونها 
ـــ ثالثاً : تنقل التربية المعرفة التي تشتمل على التراث الاجتماعي . 
ـــ رابعاً : كما يتوقع من التربية أن تنمي المعرفة الجديدة . 
ــ هذا وقد تزايدت أهمية الوظائف الاجتماعية للتربية في المجتمعات الحديثة ، وخاصة المجتمعات الصناعية ، حيث يتم تطبيق العلم في محاولة تحسين مستوى الإنتاج ، وتطوير نظم تقسيم العمل . فقديماً كان الشخص الذي يتعلم يعتبر غير منتج من الناحية الاقتصادية . أما اليوم فإن زيادة الإنتاجية تعتمد على مدى التخصص ومستوى المهارة التي يحصل عليها الفرد عن طريق التعليم والتدريب . 
ـ ومهما تعددت الوظائف الاجتماعية للتربية ، فإنه يمكن تقسيم هذه الوظائف إلى نمطين : أحدهما هي الوظائف الموجهة نحو الفرد ( Centered ـ Person) ، والأخرى هي الوظائف الموجهة نحو المجتمع (Centered ـ Society ) . 

ـــ وفي النمط الأول من الوظائف الاجتماعية نجد أن التربية تعمل على تدعيم مقدرات الأفراد ، وتسهم في تحقيق الذات . فالتربية عملية تنشئة اجتماعية بالنسبة للفرد ينتج عنها تشكيل الكائن الإنساني ونموه ، كما أن التربية عملية تعلم لأنماط سلوكية مختلفة ، واكتساب لخبرات اجتماعية تؤدي إلى اكتساب الأفراد الإنسانيين لأنماط مختلفة من الشخصية . أما في النمط الثاني من الوظائف التي تؤديها التربية في المجتمع ، فإننا نجد أن التربية تؤدي فوائد عملية ورمزية بالنسبة للنسق الاجتماعي . إذ أن التربية تعمل على استمرار المجتمعات الإنسانية وبقائها نتيجة لنقل التراث الثقافي من الأجيال السابقة إلى الأجيال اللاحقة . وإذا كانت التربية تؤدي نمطين من الوظائف : أحدهما شخصية تتجه نحو الفرد والأخرى اجتماعية تتجه نحو المجتمع . فإن التربية تعمل أيضاً على إقامة التوازن بين هذين النمطين . ونجد أن الحاجة إلى إقامة التوازن بين هذين النمطين ، تؤدي إلى ظهور عدد من المشكلات التربوية .
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-